الجمعة، 22 نوفمبر 2024

إقرار الـ"عتبة"  ونتائجها  على المشهد السياسي بقلم سامي بن سلامة  مميز

16 نوفمبر 2018 -- 10:29:12 566
  نشر في راي و تحليل

تونس/الميثاق/تحليل

 

إذا ما تم تنقيح القانون الانتخابي لإقرار عتبة بنسبة 5 % لنيل مقاعد في البرلمان، فإن أغلب القائمات التي  نالت مقاعد في البرلمان فازت بمقاعد في انتخابات 2014 التشريعية ستختفي كليا عن المشهد البرلماني وبالتالي السياسي إثر الانتخابات التشريعية لسنة 2019 وستتبعها في ذلك غالبية الأحزاب والائتلافات التي شاركت في الانتخابات التشريعية لسنة 2014 وفي انتخابات 2018 البلدية ولن تنجو من تلك المجزرة الانتخابية المحققة لا الأحزاب الجديدة ولا حتى تلك التي بصدد التكوين.

 

ورغم أن لجنة النظام الداخلي والحصانة داخل مجلس نواب الشعب صادقت على ما يبدوعلى إقرار عتبة بتلك النسبة، إلا أنه من المرجح أن يتم التخفيض في سقفها بمناسبة النقاش العام عند المصادقة على مشروع التنقيح المذكور إلى حدود 3 % أو التخلي عنها نهائيا وفق الموقف الذي سيتخذه حزب حركة نداء تونس بعد أن تحول رسميا إلى المعارضة.

 

ونحن إذا ما تمعنا في توزيع عدد الأصوات المصرّح بها للقائمات المتحصلة على مقاعد في الانتخابات التشريعية 2014، فإننا سنلاحظ أن العدد الإجمالي للناخبين الذين أدلوا بأصواتهم وصل إلى 3 ملايين 579 ألفا 257 ناخبا. بينما كان العدد الإجمالي للأصوات المصرح بها 2 ملايين 985 ألفا 346 صوتا، حيث مثل العدد الإجمالي للأصوات الضائعة (التي لم تنل مقاعد) رقما مفزعا مرة أخرى وبلغ  593 ألفا 911 صوتا وهي أصوات تفوق كثير جميع الأصوات التي حصدتها جميع أطياف المعارضة البرلمانية.

 

وإذا ما تمعنا في النتائج التي حققتها مختلف الأطراف المترشحة في انتخابات 2014 التشريعية و2018 البلدية، فإننا سنلاحظ تراجعا كبيرا في النسب المتحصل عليها من قبلها وخطرا داهما يهدد بزوال أغلبها نهائيا في انتخابات 2019 التشريعية، بإقرار تلك العتبة المشطة أو بدونها. حيث أن نفسية الناخبين الميّالة إلى المقاطعة، لن تمكن سوى حركة النهضة من تنمية رصيدها ومن الاستفادة من الوضع الحالي وربما ينجو منها حزب حركة نداء تونس ولكن بدرجة أقل إذا ما حافظ على النسب التي تحصل عليها في انتخابات 2018 البلدية.

 

كما أن أغلب القائمات المستقلة ستختفي كذلك من المشهد، خاصة أنها لا تمثل كيانا موحدا ولا يمكن منطقيا أن تشكل أملا للتونسيين في تحقيق التوازن السياسي في الانتخابات المقبلة، إلا إن حدثت حالة استنفار مفاجئة. مردّ أن لا رابط يربط بين أغلبها وبسبب غرقها في المحلية وعدم اكتسابها إشعاعا وطنيا ولتخبط جلها وفشلها في تسيير البلديات التي منحت لها والتي لم نشهد إلى اليوم نجاحا باهرا يحسب لها في تسييرها ما عدا استثناء واحدا أو اثنين على أقصى تقدير.

كما لا تفوتني ملاحظة أن التقدم الضئيل الظاهري  الذي حققه حزب التيار الديمقراطي بحصوله على أصوات 9 آلاف 223 ناخبا إضافيا بالمقارنة مع حصيلة في انتخابات 2014 التشريعية لا يشكل لا تطورا كبيرا ولا نجاحا باهرا.

 

إذ تجدر الإشارة أن بعض المغالطات الراسخة تفيد بأن حزب التيار الديمقراطي حقق نتائج جيدة في انتخابات 2018 البلدية، بينما تثبت الأرقام وهي لا تكذب أن حصيلته تراجعت تراجعا مهولا بما يعادل 34 ألفا 153 صوتا بين 2014 و2018. 

 

فمن 109 آلاف 772 صوت إلى 75 ألفا 619 صوت لا غير يبرز لنا التراجع الكبير بدون مساحيق، إذ ينسى كثيرون أن ذلك الحزب انصهر مع حزب التحالف الديمقراطي قبل انتخابات 2018 البلدية. وأنه لا يمكن بالتالي للأمانة العلمية تقييم حصيلة حزب التيار ونجاحه أو فشله إلا إذا ما اعتمدنا كذلك الأرقام التي كان حصل عليها حزب التحالف الديمقراطي في انتخابات 2014 التشريعية والتي كانت بلغت 43 ألفا 376 صوتا في مقابل 66 ألفا 396 صوتا للتيار في نفس الانتخابات. وهو ما يجعلنا ننطلق من 109 آلاف 772 صوتا حصدها الحزبان في انتخابات 2014 لكي نقارن وإلا فإن جميع حساباتنا تكون خاطئة.

 

لم يتجاوز حزب التيار الديمقراطي نسبة 4.19 % من الأصوات المصرح بها في انتخابات 2018 وهي نسبة بعيدة جدا عن النسبة التي حصل عليها كل من الحزبين على حدة في انتخابات 2014 والتي كانت بلغت 3.07 % (عدد المقترعين كان أكبر) من الأصوات المصرح بها والتي مكنتهما من حصد أصوات 109 آلاف 772 ناخبا. وهي على كل حال بعيدة مسافة شاسعة جدا عن النسب التي تحصل عليها الحزبان الكبيران.

 

يبين الترتيب التالي وبصفة واضحة بناء على نتائج الانتخابات التشريعية لسنة 2014 والانتخابات البلدية لسنة 2018 التراجع الكبير في الأصوات التي تحصلت عليها مختلف الأحزاب والائتلافات ويمكن للقارئ أن يكتشف من هي الأحزاب التي ستندثر إذا ما تم إقرار عتبة بنسبة 5 %.

 

1) حزب نداء تونس:

 تحصل من جملة الأصوات المصرح بها على 1 مليون 275 ألفا 088 صوتا بنسبة 35.62 % وعلى 86 مقعدا  في تشريعية 2014 بينما لم يتحصل في بلديات 2018 سوى على 377 ألفا 121 صوتا بنسبة  20.85  % ما يمثل 1600 مقعدا من 7212 مقعد مستشار بلدي.

 

2) حزب النهضة:

 تحصل من جملة الأصوات المصرح بها على 947 ألفا 058 صوتا بنسبة 26.46 % وعلى 69 مقعدا في تشريعية 2014 بينما لم يتحصل في بلديات 2018 سوى على 517 ألفا 234 صوتا بنسبة  28.64  % ما يمثل 2139 مقعدا من 7212 مقعد مستشار بلدي.

 

3) حزب الاتحاد الوطني الحر:

 تحصل من جملة الأصوات المصرح بها على  140ألفا 873 صوتا بنسبة 3.94 % وعلى 16 مقعدا في تشريعية 2014 بينما لم لم يرشح قائمات في بلديات 2018.  

 

4) ائتلاف الجبهة الشعبية:

 تحصل من جملة الأصوات المصرح بها على 124 ألفا 039 صوتا بنسبة 3.47 % وعلى 15 مقعدا في تشريعية 2014 بينما لم يتحصل في بلديات 2018 سوى على 71 ألفا 551 صوتا بنسبة  3.95  % ما يمثل 261 مقعدا من 7212 مقعدا.

 

5) حزب آفاق تونس:

 تحصل من جملة الأصوات المصرح بها على 102 ألفا 915 صوتا بنسبة 2.88 % وعلى 08 مقاعد في تشريعية 2014 بينما لم يتحصل في بلديات 2018 تحت تحالف لافتات الاتحاد المدني سوى على 19 ألفا 116 صوتا بنسبة  1.06  % ما يمثل 02 مقاعد من 7212 مقعدا.

 

6) حزب المؤتمر من أجل الجمهورية:

 تحصل من جملة الأصوات المصرح بها على 69 ألفا 894 صوتا بنسبة 1.95 % وعلى 04 مقاعد في تشريعية 2014.

 

7) حزب التيار الديمقراطي:

 تحصل من جملة الأصوات المصرح بها على 66 ألفا 396 صوتا بنسبة 1.86 % وعلى 03 مقاعد في تشريعية 2014 بينما تحسنت نتائجه نسبيا في بلديات 2018 الذي ترشح لها ضمن تحالف ائتلاف القوى الديمقراطية الذي يجمعه مع حراك تونس الإرادة وتحصل على 75 ألفا 619 صوتا بنسبة  4.19  % ما يمثل 205 مقعدا من 7212 مقعدا.

 

8) الحزب الجمهوري:

 تحصل من جملة الأصوات المصرح بها على 56 ألفا 223 صوتا بنسبة 1.57 % وعلى 01 مقاعد في تشريعية 2014 بينما لم يتحصل في بلديات 2018 بعد أن ترشح ضمن تحالف الاتحاد المدني سوى على 31 ألفا 883 صوتا بنسبة  1.77  % ما يمثل 02 مقاعد من 7212 مقعدا.

 

9) حزب حركة الشعب:

 تحصل من جملة الأصوات المصرح بها على 45 ألفا 839 صوتا بنسبة 1.28 % وعلى 03 مقاعد في تشريعية 2014 بينما لم يتحصل في بلديات 2018 سوى على 23 ألاف 958 صوتا بنسبة  1.33 % فضمن بذلك 04 مقاعد من 7212 مقعدا.

 

10) حزب المبادرة:

 تحصل من جملة الأصوات المصرح بها على 45 ألفا 597 صوتا بنسبة 1.27 % وعلى 03 مقاعد في تشريعية 2014 بينما لم يتحصل في بلديات 2018 سوى على 06 ألاف 405 صوتا بنسبة  0.36 % فضمن بذلك مقعدا واحدا من 7212 مقعدا.

 

11) حزب التحالف الديمقراطي:

 تحصل من جملة الأصوات المصرح بها على 43 ألفا 376 صوتا بنسبة 1.21 % وعلى 01 مقاعد في تشريعية 2014 وانصهر ضمن حزب التيار الديمقراطي قبل انتخابات 2018 البلدية.

 

12) ائتلاف تيار المحبة:

 تحصل من جملة الأصوات المصرح بها على 40 ألفا 826 صوتا بنسبة 1.14 % وعلى 02 مقاعد في تشريعية 2014 بينما اختفى من المشهد في بلديات 2018.

 

 

في تلك الانتخابات تحصلت القائمات المستقلة على 2373 مقعدا من 7212 مقعد مستشار بلدي بعد حصدها في كامل الدوائر وعددها 350 ما مجموعه 581 ألفا 930 صوتا بنسبة 32.27 % من عدد الأصوات الصحيحة المصرح بها وقدرها 01 مليون 806 ألف 969 صوتا بعد انخفضت نسبة المشاركة في تلك الانتخابات وقاطع 01 مليون 650 ألفا 018 ناخبات صوتوا في 2014 تلك الانتخابات. 

 

يمثل إقرار العتبة مناورة جديدة من الحزبين الكبيرين ومن حزب حركة النهضة أساسا للاستفراد بالحكم والقضاء على أية تمثيلية للأحزاب الصغيرة والقائمات المستقلة في انتخابات 2019. وهي مناورة يرجح أن القائمين على حزب الحكومة الذي هو بصدد التكوين قد دعموها اعتقادا منهم أنها ستمكنهم بعد الفوز بالانتخابات التشريعية المقبلة من التحول إلى وضعية التابع إلى وضعية الشريك المتقدم لحزب الحركة الذي سيرضى عندها بالتوافق معهم لحكم البلاد لسنوات طويلة قادمة.

 

 

على أنه من المرجح أن تمكن تلك المناورة إن مرت من تدعيم سيطرة حزب الحركة على الوضع السياسي الحالي ومن جعل ”التصويت المفيد“ يختلط مع ”التصويت العقابي“ ليفرز مرتبة ثانية محتملة لحزب رئيس الجمهورية، خصوصا في ظل المحافظة على نظام انتخابي على القائمات يعتبر نظاما ”مقنّعين“ ورفض حتى مجرد التطرق إلى إمكانية تعويضه بنظام الانتخاب على الأفراد ”المكشوف الوجه“ والذي يمكن من اختيار مرشحين بناء على معايير موضوعية كالكفاءة والمصداقية وغيرها وليس بناء على تقنيعهم وإخفائهم وحشرهم ضمن قائمات تحت لافتات أحزاب تسيطر على الوضع السياسي العام وتحكم بالرداءة وبفضلها.

 

كنت أردت بأن أعطي عنوانا لهذا المقال يتضمن لفظ ”العتبة“، كعتبة الفناء أو عتبة الموت وتذكرت ولا أدري لماذا الكاتب الكبير ميخائيل نعيمة وروايته اليوم الأخير وربما كان ذلك كان من الذين قادوا ”النهضة“ الفكرية والثقافية وجدّدوا وليس من الذين أبدعوا في ردة فكرية وثقافية وسياسية كالتي نعيشها. يسمع بطل الرواية موسى العسكري صوتا في منامه يقول له: ”قم ودع اليوم الأخير“ ويدرك أن أمامه 24 ساعة فقط قبل أن يموت، فتتولد لديه أسئلة كثيرة حول الحياة والموت. وهي أسئلة لا تفكر فيها أحزابنا السياسية على ما يبدو ولو وضعوهم أمام العتبة.  

آخر تعديل في الجمعة, 16 نوفمبر 2018 10:29

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة